من اوراق الشرطة العراقية الوطنية في تاريخ العراق
الحديث
دور الشرطة العراقية في كشف شبكات تهجير يهود العراق
عام 1950
شامل عبدالقادر
كاتب عراقي
تعد
قضية تهجير يهود العراق في بداية الخمسينات من القرن الماضي من ابرز القضايا التي
واجهت العراق وعدت من الملفات الغامضة في حقبة الحكم الملكي حيث اتهمت الاطراف
الوطنية كبار القادة السياسيين العراقيين انذاك بالتواطؤ مع الصهيونيه العالمية
على تنظيم الهجرة القسرية لاعرق الجاليات اليهودية في العالم، في حين تولت اسرائيل
اتهام العناصر القومية المتطرفة كاعضاء حزب الاستقلال العراقي بترتيب عمليات القاء
القنابل على المعابد اليهودية في مناطق متفرقة من بغداد.
في
عام 1950 جرى تفجير عدد من المعابد اليهودية في البتاويين وشارع السعدون كما القيت
القنابل على شركات تعود ملكيتها ليهود عراقيين كما جعل افراد الطائفة اليهودية
يهرعون الى دائرة التسفيرات لنقلهم الى اسرائيل.
هذا
الملف الذي كتبته جاء نتيجة جهود تعود الى عام 1998 عندما التقيت عقيد الشرطة
المتقاعد عبد الرحمن حمود السامرائي معاون الشعبة الخاصة التابعة لمديرية شرطة
بغداد الذي اخذ على عاتقه ومعه نفر قليل من افراد هذه الشعبة بتعقب ومطاردة كبار
قادة الحركة الاستخباراتية والصهيونية في العراق واحالتهم الى التحقيق والمحاكمات.
في
تشرين الاول عام 1958 احيل توفيق السويدي رئيس الوزراء السابق الذي تولى في عام
1950 اصدار قانون رقم 3 لسنة 1950 الخاص باسقاط الجنسية العراقية عن كل يهودي يروم
الهجرة الى اسرائيل.. احيل السويدي الى المحكمة العسكرية العليا الخاصة(محكمة
الشعب) التي ترأسها المرحوم العقيد فاضل عباس المهداوي التي شكلتها قيادة ثورة 14
تموز.
في
الجلسة (40) في 1958/10/29 أقرأ المدعي العام اتهامه ضد السويدي (1) قائلا انه شكل
وزارته الثالثة التي سنت قانون اسقاط الجنسية الذي ساعد اليهود على الخروج من
العراق الى اسرائيل وتهريب اموالهم لدعم الكيان الصهيوني بالمال والنفوس.
وقال
عزيزي ملكي في شهادته امام المحكمة ان المتهم واعوانه كانوا يستوفونه عشرة دنانير
عن كل يهودي(2).
اما
توفيق السويدي فقد دافع عن نفسه بالقول (3): احب ان استرعي انظار المحكمة الى
الفائدة التي حصلت من اسقاط الجنسية عندما نجحنا في حل عقدة من العقد في بعض الدول
العربية حسب تعبيره!
والغريب
ان المهداوي لم يثر اسئلة كثيرة ودقيقة مع توفيق السويدي المتهم بولائه في هذه
القضية الخطيرة واكتفى المهداوي بسؤاله عن دوره في المؤامرة ضد سوريا.
لقد
اشار السويدي امام المهداوي انه استطاع بهذا القانون ان يتخلص من مشكلة اليهود في
العراق لان اليهود - كما زعم، كانوا يسيطرون على اقتصاد العراق وتجارته!!
وضع
معاون الشعبة الخاصة في الخمسينات امامي معلومات ووثائق هائلة حول قضية التهجير
وقبل الشروع في نشرها حاورته كثيرا لفترات مختلفة حول جوانب عديدة من هذا الموضوع
وقد افاد السامرائي بان المرحوم عبد الجبار فهمي مدير الشرطة انذاك قد اسهم بدور
فعال في كشف خلايا الموساد وعملاء الحركة الصهيونية السرية وابدى تعاونا كبيرا
مع(الشعبة الخاصة) في هذا المضمار وقد كتب فهمي _ فيما بعد _ كتابا اسماه(الافعى
الصهيونية) ونشره عام 1952 وقد اعدم المؤلف في عام 1959 بعد محاكمة غير عادلة امام
المهداوي واذكر انني قرات كتابا بعنوان(حتى عامود الشنق) لكاتب (اسرائيلي) تحدث
فيه عن (تاريخ) الحركة الصهيونية السرية في العراق وقال في اوراقه الاخيرة بان
الذين اصعدوا شالوم وبصرى (كوادر صهيونية اعدمت عام 1952) الى المشانق قد صعدوا
المشانق ذاتها عام 1959 وهي اشارة الى المرحوم فهمي واخرين زجوا في السجون بعد
ثورة 14 تموز لجرائم تتعلق بالامن الداخلي.
قال
عبد الجبار فهمي امام (المهداوي) في يوم الاربعاء 1958/12/3 حول قضية التفجيرات
والاسلحة الصهيونية التي اكتشفتها الشرطة العراقية في عام 1951: (عينت مديرا
للشرطة ووقعت عدة حوادث انفجارات في المدينة - بغداد - وقد اهتممت شخصيا في هذه
القضية وقد اكتشفت المؤامرة الصهيونية الدنيئة وقد عثرنا على كافة الاسلحة من
رشاشات وقنابل وعتاد مع وثائق مهمة في الكنائس ومحلات اليهود كما القي القبض على
كافة المجرمين، رودني وصالحون وجماعته واجريت التعقيبات القانونية بحقهم وسيقوا
للعدالة فنالوا جزاءهم فأعدم قسم منهم وحكم على القسم الاخر باحكام مختلفة وذلك
سنة 1951 ولو لم تكتشف هذه المؤامرة لكانت عواقبها وخيمة على العاصمة).
واتهم
(المهداوي) عبد الجبار فهمي باشتراكه بتهريب الدكتور (البيرالياس) الذي كان من
العناصر الصهيونية البارزة في العراق برغم انني من خلال تحرياتي الصحفية عام 1994
اكتشفت بان بهجة العطية مدير الامن العام في العهد الملكي هو الذي اخبر (لطيف
افرايم) وهو عضو في الحركة الصهيونية السرية باكتشاف الشرطة بضلوع البير الياس في
قضية التنظيم الصهيوني السري وان عبد الجبار فهمي كان بريئاً من هذه التهمة
المسندة اليه من قبل محكمة المهداوي ومع ذلك اجاب فهمي عن هذه التهمة قائلاً:
(بالعكس انا الذي اكتشفت هذه القضية واتخذت الاجراءات وانا ضد هذا الدكتور والكل
يعرفونني انا لم اشترك بتهريبه وليس لي علاقة بتهريبه بالعكس انا ضد الصهيونية
والصهاينة ضدي وفي كل لحظة هم يقررون الاعدام بحقي). هذا ماقاله عبد الجبار فهمي
امام محكمة المهداوي وهو صادق في قوله فقد اخبرني السيد عبد الرحمن السامرائي يوم
1994/7/8 بانه شخصياً وعبد الجبار فهمي والحاكم سلمان بيات والادعاء العام شاكر
العاني تسلموا بعد محاكمة الصهاينة عام 1952 وصدور الاحكام وتنفيذها (رسائل) تهديد
تضمنت (احكام بالاعدام) من قبل منظمة (تنوعة) في اسرائيل وقد وردت هذه الرسائل عن
طريق الولايات المتحدة ومرسلة من داخل اسرائيل الينا نحن الاربعة في العراق. ونحن
الاربعة محكومون بالاعدام منذ عام 1952 من قبل الكيان الصهيوني لدور كل واحد منا -
والكلام للسيد السامرائي - في هذه القضية التي تسببت بتفكيك وانهيار التنظيمات
الصهيونية السرية في العراق.
وتحدث
عبد الجبار فهمي عن دور البيرالياس قائلاً: (كان متهماً في قضية التجسس ووجود هذه
القنابل. وكان الدكتور البيرالياس ضمن المتهمين وقرر حاكم التحقيق اخلاء سبيله
بكفالة وانا ميزت القرار ثم افرج عنه بالمحكمة الكبرى ميزنا.
ان
صدور القرارات وتمييزها لها قصة مفصلة سنأتي على ذكرها في الصفحات اللاحقة.. وعن
كيفية القاء القبض على عملاء الحركة الصهيونية قال فهمي: (انا كنت اساعد في تعقيب
القضية والاشراف عليها والذي اجرى التحقيق مع عبد الرحمن حمود وحاكم تحقيق في بادئ
الامر ورد اخباراته بعد وقوع هذه الحوادث، القنابل في بغداد، ورد حبرانه انه شخص
غريب رأته جماعة في بغداد وهو اجنبي - المقصود به اسماعيل صالحون واسمه الحقيقي
يهودا مئير تجار - فأخذت الشرطة تتعقبه وتراقبه بواسطة احد اللاجئين - المقصود به
الفلسطيني الياس- وهناك قبضوا عليه، حال ذهابنا رأيناه هو يحمل قرآناً في جيبه
صغير ويتكلم اللغة الانكليزية اول الامر انكر انه ليس يهوديا بل اجنبي لما كلمته
باللغة الانكليزية ظهر انه ليس انكليزيا ثم أن جواز سفره كان إيرانيا حصل عليه من
الحكومة الايرانية اسمه اسماعيل وبعد التحقيق اعترف انه يهودي صهيوني فذهب المعاون
- يقصد السامرائي - وحاكم التحقيق - المقصود به المرحوم كامل شاهين - وأجرى تحري
في بيته في بستان الخس وعثروا على مستمسكات ثم وجدوا بالمستمسكات شخص اسمه (رودني)
متجنس الجنسية البريطانية وقادم من الخارج. نعم هو انكليزي، جوازه بريطاني ولكن
أصله صهيوني. ثم ذهبوا الى بيته قرب العلوية وعثروا على مستمسكات كثيرة حتى عثروا
على برقية لديه يقولون له فيها اهرب من مانجستر (المقصود بان البرقية وردت من
مانجستر) من شركة تجارية (اهرب فوراً) واخيرا اعترف وانكشفت القضايا ومن هناك
استطعنا ان نعرف ان هناك مخازن فيها اسلحة انا ذهبت شخصيا مع المعاون وجئنا بضابط
متخصص بالالغام ايضا ورفعنا الكهرباء لأننا لو لم نرفع الكهرباء ومسكنا السلك الذي
كان موصلا برأس لغم القنابل ويوجد مخزن كبير ثم هناك اخرجنا القنابل والمسدسات
والرشاشات ثم عثرنا في هذا المخزن (الكنيسي اليهودي) على قنابل.