دور الرياح في إثارة السحب ـ حقائق قرآنية
الأستاذ الدكتور سلامه عبد الهادي
عميد كلية علوم الطاقة جامعة جنوب الوادي ـ أسوان
لواء أركان حرب سابق في الجيش المصري
ملخص البحث:
جاء في كتاب الحق سبحانه وتعالى في آيتين منفصلتين فى سورتي فاطر
والروم أن الله يرسل الرياح فتثير سحابا.
قال الله تعالى
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ
سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ
وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ
فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ
يَسْتَبْشِرُونَ) [الروم : 48]. وفي سورة فاطر قوله تعالى
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً
فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ) [فاطر : 9].
وهذه الكلمات لهـا مدلول علمي معجز يمكن أن نفطن إليه عندمـا
نراجع قوانين الديناميكا الحرارية للهواء الرطب أو مخلوطات
الهواء والماء (مرجع 1)، والتعرف على ظاهرة تشبع الهواء ببخار
الماء (مرجع 2) عند مروره على سطح الماء، وهذه العملية هي الأساس
في معظم عمليات تكييف الهواء، وكذلك في الطرق الحديثة لتحلية
مياه البحر، وفى هذا البحث سوف نرى كيف تنبهنا هذه الآيات
المعجزة عن أن حركة الرياح هى المثير الرئيسي لإطلاق البحار
بخار الماء المكون للسحاب، وكيف جاء هذا المعني العلمي الذي
ذكرته هذه الآيات الكريمة بأدق الألفاظ والكلمات.
المقدمة :
تغطى محيطات المياه المالحة حوالي ثلاثة أرباع سطح الكرة
الأرضية، أي حوالي 361 مليون كيلومتر مربع، وتصل أعماق معظم هذه
المياه إلى بعد يزيد عن 11521 متر(شق ماريا في المحيط الهادي)،
وتصل ملوحة مياه المحيطات في المتوسط إلى 35 جزء في الألف، بينما
تتراوح ملوحة مياه البحار بين 31 – 38 جزء في الألف، وتعمل هذه
الأملاح على حفظ الماء دون أن يفسد في هذه الأعماق السحيقة
للمحيطات، ففي هذه الأعماق يظل الماء ساكنا لفترات طويلة، ولولا
هذه الدرجة من الملوحة العالية والتي تتدرج في زيادة التركيز من
السطح إلى الأعماق لفسدت مياه البحار، وهكذا يحفظهـا خالقهـا
ومدبر أمرهـا من التعطن والتعفن لو كانت بدون أملاح خلال
الملايين التي انقضت من عمر الأرض، وإلى الملايين القادمة التي
يشاء الخالق أن تحيى على الأرض.
وقد قدر الخالق أن تكون هذه البحار المالحة خزاناً دائما للمياه
العذبة المطلوبة للبشر وجميع الأحياء على وجه الأرض، حيث لا يمكن
تخزين المياه عذبة لفترات طويلة، وإلا أصابهـا العفن وأفسدتهـا
أنواع كثيرة من البكتيريا والطفيليات.
عمليات تشبع الهواء ببخار الماء:
طبقاً للنظريات الحديثة للديناميكا الحرارية، فإنه عند مرور
الهواء الجاف على سطح المياه المالحة، شكل رقم (1)، فإن هذا
الهواء الجاف يثير هذه المياه كي تطلق كماً من بخار الماء
العذب، فيعلو سطحهـا كماً من البخار حتى يصبح الهواء المار على
أسطح المياه هواء مشبع بالبخار أو تسمى الرطوبة، والرطوبة هى
بخار الماء العذب، وعند تشبع الهواء يصل إلى درجة من الاتزان
تسمى الاتزان الديناميكي، عندهـا لا يستطيع الهواء تحمل كماً آخر
من البخار، بحيث أنه في هذه الحالة يتعادل ما يتبخر من البحر مع
ما يتكثف من البخار الموجود في الهواء، وفى الشكل رقم (1) يدخل
الهواء الجاف في اتجاه السهم، وعند مروره على سطح الماء يثيره
فيخرج منه بخار ماء حتى يصل الهواء الخارج إلى حالة التشبع ببخار
الماء، ويمثل السهم الموجود في الخريطة بالشكل رقم (2) اتجاه
تشبع الهواء ببخار الماء حتى يصل إلى نسبة من الرطوبة 100 %،
عندها لا يمكن لسطح المياه أن يطلق كماً آخر من بخار الماء ولا
فرصة أمام هذه العملية من أن تتجدد إلا أن يأتي هواء جاف هواء
جاف جديد كي يعيد إثارة المياه كي تطلق كماً آخر من بخار المـاء.
تكوين السحاب
وخلال الدورة التي يطلق عليهـا العلماء دورة المياه في الأرض،
تتسلط أشعة الشمس على البحار المالحة، فيتصاعد بخار الماء العذب،
وتستقبله طبقة الهواء الملامسة لسطح البحر، والتي تستوعب قدراً
محدوداً من هذا البخار، حتى يصل هذا الهواء إلى التشبع والبخار،
أوحاله لاتزان الديناميكى، حيث تتعادل كمية البخر الصاعد من سطح
الماء أو المحيطات المالحة مع كمية تكثف بخار الماء فى الهواء
الملامس لسطح البحر، وتزيد قدرة الهواء على امتصاص كمية بخار
الماء عند درجة التشبع بزيادة درجات الحرارة، ولهذا يزيد البخر
عند سطوع أشعة الشمس.
وعندما يرسل الحق سبحانه وتعالى الرياح لتجوب أسطح المحيطات،
تزيل الرياح هذه الطبقة من الهواء المشبع بالبخار والملامسة
للبحار وتحملهـا معهـا، ونظرا لأن كثافة هذا الهواء المشبع تكون
أقل من كثافة الهواء الجاف (مرجع رقم 3)، فإن هذا الهواء المشبع
بالبخار يتصاعد بتأثير الرياح إلى طبقات الجو العليا حيث تقل
درجات الحرارة، وفى هذه الارتفاعات يتكثف بخار الماء (مرجع رقم
4)، ويتجمع على شكل قطرات من الماء مكونة السحاب المعلق بين
الأرض والسماء، وعندما تدفع الرياح هذه الطبقات المشبعة
والملامسة لأسطح البحار والمحيطات على مدى هذه المساحات الشاسعة
لهذه الأسطح، يحل محلهـا بفعل الرياح هواء جاف أى غير مشبع
بالبخار ، وهنا تثار أسطح البحار والمحيطات بهذا الهواء الجاف
مرة أخرى وتدفع بكميات أخرى من الماء على شكل بخـار ليتشبع
الهواء الملامس لأسطح البحـار مرة أخرى ليصل مرة أخرى إلى
الاتزان الديناميكى، وهذا البخار يرتفع مرة أخرى بفعل الرياح
ليستمر تكوين السحاب، وهكذا بتكرر هذه الدورة مرات ومرات، ينشأ
السحاب الثقال الذي يسبب المطر من هذا البخار الذى تثيره حركة
الرياح الدائمة ، ففي كل مرة تحدث إثارة الرياح لأسطح البحار
لتصنع هذا السحاب، وتقدر كمية البخار التي تحملهـا الرياح من
البحار سنويا بمقدار 361.000 كم3 كماً تقدر كمية بخار الماء الذي
يختزنه الغلاف الجوى في أي وقت بمقدار135.000 كم3 سنويا.، أما
كمية البخار المخزونة في البحار والمحيطات فمقدارها
1.400.000.000. كم3 ، ويمثل الشكل المرفق الاتزان المائي على سطح
الأرض (المرجع رقم 5).
المعجم:
من المعجم تأتى كلمة تثير بمعناها فى الآية الكريمة، حيث قال
الله تعالى في صفة بقرة بني إِسرائيل: تثير الأَرض ولا تسقي
الحرث، وذكر المعجم أَثارَ الأَرضَ: قَلَبَها على الحب بعدما
فُتحت مرّة، وحكي أَثْوَرَها على التصحيح .
الآيات الكريمة:
تكررت هذه الكلمتان : "تثير سحابا" فى آيتين كريمتين : الأولى
:"الله الذى يرسل الرياح فتثير سحابا" ( الروم / 48) .. والثانية
: " الله الذى أرسل الرياح فتثير سحابا " (فاطر / 9) ,,, ومما
تقدم يتضح أن تكوين السحاب ينشأ من عملية إثارة دائمة لمحيطات
وبحار ماء مالحة، تبدأ بنزع طبقة الهواء المشبعة ببخار الماء
والملامسة لسطح مياهها ، فتضطر هذه البحار إلى دفع كماً آخر من
الماء العذب على هيئة بخار ماء يتصاعد ليتشبع به الهواء حتى تأتى
رياحا أخرى فتتكرر هذه الإثارة، وإذا تخيلنا أن كل متر مربع يمكن
أن يتبخر منه في أشعة الشمس كجم في اليوم الواحد على أقل تقدير،
فإن جملة ما يمكن أن تحمله الرياح يصل إلى ملايين الأطنان كل يوم
من هذه الإثارة الدائمة.
السند اللغوي
ولعلنا نكرر في لغتنا العربية كلمة أن الريح تثير غباراً، عندما
تهب الرياح على أرض صحراوية، فيقال أن البحار أثارت غبارا من
الأرض.
أوجه الإعجاز (ملخص البحث):
من كان يدرى في عصر رسول الله أن الله يرسل الرياح فتثير سحابا
أي بخار ماء عذب من مياه البحار المالحة ، وأن كل ما يأتينا من
ماء عذب إلى الأرض ينشأ من إثارة هذه الرياح للبحار والمحيطات
المالحة عندما تنزع عنهـا طبقة الهواء المتشبعة ببخارها والمتزنة
بدرجة محددة من التشبع، فتأتى الرياح بهواء جاف متجدد لتثير
البحار كى تطلق كماً آخر من بخار عذب يصنع السحاب، فسبحان الله
رب العالمين في آياته التي فصلت من لدن حكيم عليم.
يسعدنا تلقي تعليقاتكم حول المقالة على الإيميل التالي:
salama_abdelhady@hotmail.com
المراجع:
1. K. Wark: Thermodynamics, pp: 415 – 417, McGraw-Hill, New
York (2006)
2. K. Wark: Thermodynamics, pp:418 – 422, McGraw-Hill, New
York (2006)
3. K. Wark: Thermodynamics, pp: 461 – 464, McGraw-Hill, New
York (2006)
4. K. Wark: Thermodynamics, pp: 474 – 478, McGraw-Hill, New
York (2006)
5. Peixoto and Kettani, 1973, The Control of the Water Cycle
Scientific American - Vol. 228 -