مستقبل لا يبشر بالخير!
لقد دلت الدراسات أن نسبة غاز الكربون في الجو الآن أعلى بثلاثين
في المئة من العصور السابقة، أما نسبة غاز الميثان فهي أعلى
بنسبة مئة بالمئة من السنوات الماضية. ونسبة غاز الكربون تزداد
بمعدل واحد بالمئة كل عام، وهذه الزيادة خطيرة جداً، وهذه
الزيادة المتسارعة هي بسبب النشاط البشري في حرق الوقود وإنتاج
الطاقة. ولذلك إذا استمرت الزيادة كما هي عليه الآن، فإنه خلال
مئة عام ستكون نسبة غاز الكربون في الهواء أعلى من أي وقت مضى
على تاريخ الأرض خلال المليون سنة الماضية.
إن زيادة نسبة غاز الكربون سوف تتسبب بتغيرات مفاجئة بالمناخ،
وهذا سوف يسبب بعض الكوارث الطبيعية، وينتج عن ذلك مجاعة قد
تجتاح العالم الفقير خصوصاً، سوف يرتفع مستوى سطح البحر عدة
أمتار بسبب ذوبان الجبال الجليدية في القارة المتجمدة الشمالية
والجنوبية. وهذا سيؤدي إلى غرق مدن ساحلية بأكملها نتيجة هذا
الارتفاع الكبير.
إن زيادة نسبة الكربون في الجو خلال العصور السابقة للأرض كانت
بفعل الظواهر الجيولوجية كالبراكين وما تقذفه من غازات، وعلى
الرغم من الكميات الهائلة التي أطلقتها البراكين فيما مضى، إلا
أنها تبقى أقل بكثير مما يطلقه البشر اليوم من ملوثات!
منحني يمثل ازدياد نسبة غاز الكربون منذ عام 1958 وحتى عام
2004، ويظهر الازدياد المتسارع في نسبة هذا الغاز السام،
فقد صعدت النسبة من 300 جزءاً في المليون، إلى 400 جزءاً
في المليون خلال الخمسين عاماً الماضية!
القرآن يتحدث عن دورة تلوث الأرض
كما رأينا فإن الدراسات الحديثة لتاريخ الأرض تدل على أن هناك
دورة للغلاف الجوي للأرض، حيث كان ذات يوم مليئاً بالغازات
السامة، ثم انخفضت نسبة الغازات السامة تدريجياً وفق عملية دقيقة
ومعقدة تم عبرها إصلاح هذا الخلل في جو الأرض ولولا هذه العمليات
لم يكن للحياة أن تنشأ على الأرض.
واليوم يخبرنا العلماء أن نسبة التلوث ازدادت من جديد فنجد
العلماء يطلقون الصيحات المحذرة للبشر ألا يلوّثوا هذه الأرض لأن
ذلك سيؤدي إلى الكثير من الكوارث البيئية ولذلك فقد سبق القرآن
هؤلاء العلماء للإشارة إلى هذه الحقيقة العلمية فأكد لنا القرآن
أن الأرض كانت ذات يوم غير صالحة للحياة فأصلحها الله وأمرنا ألا
نفسد فيها وأن ندعو الله ليجنبنا شر الكوارث فقال تعالى: (وَلَا
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ
خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف: 56].
فهذه الآية تضمنت عدة إشارات:
1- الإشارة إلى تجنب الإفساد في الأرض وتلويثها في قوله تعالى:
(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ).
2- الإشارة إلى أن الأرض كانت ذات يوم ملوثة فأصلحها اله لنا
وأمرنا ألا نفسدها بعد إصلاحها في قوله تعالى: (بَعْدَ
إِصْلَاحِهَا).
3- الإشارة إلى أهمية الدعاء في هذا العصر لأن الفساد البيئي
اليوم يهدد الأرض بالكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والتسونامي
والأمطار الحامضية وغير ذلك، فقال: (وَادْعُوهُ خَوْفًا
وَطَمَعًا).
4- الإشارة إلى ألا نفقد الأمل في رحمة الله تعالى وأن نستبشر
بالخير وأن الله قادر على إصلاح هذا الخلل البيئي، فقال: (إِنَّ
رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
500 عالم يجمعون على هذه الحقيقة!
في مؤتمر باريس 2 الذي عقد في مطلع العام 2007 واجتمع فيه أكثر
من 500 عالم من مختلف أنحاء العالم خرجوا بنتائج أهمها أن الفساد
البيئي والتلوث قد شمل البر والبحر وحتى البشر والنبات والحيوان،
وأن الإنسان هو المسؤول عن هذا الإفساد، وأن هناك إمكانية للرجوع
إلى النسب الطبيعية لغاز الكربون في الغلاف الجوي.
والعجيب أن القرآن لخَّص لنا هذه النتائج بآية واحدة فقط تشير
إلى ظهور هذا الفساد في البر والبحر بسبب الإنسان، يقول تعالى:
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].
الأعاصير وما تجرّه من أخطار هي أهم نتائج التلوث البيئي،
وهذا أحد نتائج الفساد الذي حذرنا القرآن منه، يقول تعالى:
(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا
وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ
قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف: 56].
ما هو الفساد؟
من معاني الفساد في القاموس المحيط هو (الجدب)، والجدب يحدث
كنتيجة لانقطاع المطر أو حدوث الكوارث الطبيعية التي تفتك
بالنبات والحيوان، ولذلك فإن الله أمر الإنسان ألا يكون سبباً في
تخريب جو الأرض وإفساده. وهذا ما حدثنا عنه القرآن بقوله تعالى
عن كل من يسعى في تخريب هذا النظام المتوازن للأرض: (وَإِذَا
تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ
الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ
الْفَسَادَ)[البقرة: 205].
إذن الفساد له أنواع، فساد أخلاقي وفساد بيئي، وقد نزلت هذه
الآيات في زمن لم يكن لأحد علم بأنه سيأتي يوم على الأرض تكون
فيه نسبة التلوث عالية جداً وتنذر بفساد جو الأرض.
الرسول يبشر بالخير!
في ظل هذه الإشارات المظلمة لمستقبل الأرض، تأتي إشارة نبوية
كريمة بالأمل لنا نحن المسلمين عندما أكد لنا بأن البلاد العربية
وهي في معظمها صحارى سوف تعود مروجاً وأنهاراً، يقول عليه الصلاة
والسلام: (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً
وانهاراً)[رواه مسلم].
في هذا الحديث الشريف بشرى للمسلمين أن الأنهار والمياه والأمطار
سوف تكثر وستكون سبباً في جعل هذه الصحارى مليئة بالغابات
والأشجار والبحيرات، وهذا ما يؤكده العلماء في أبحاثهم حديثاً.
ولذلك ينبغي علينا أن نكثر من الدعاء لله تعالى وأن نكثر من
الاستغفار فالله تعالى يقول على لسان نبيه نوح عليه السلام:
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا *
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ
بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ
لَكُمْ أَنْهَارًا)[نوح: 10-12].
تشير الصور الملتقطة بالأقمار الاصطناعية إلى أن منطقة
الربع الخالي وهي من صحراء خالية اليوم، كانت ذات يوم
مغطاة بغطاء نباتي كثيف وكانت البحيرات والأنهار تنتشر
فيها، وسوف تعود مستقبلاً لتمتلئ بالأنهار والمروج. المصدر
وكالة ناسا.
وخلاصة البحث
من رحمة الله تعالى أنه خلق لنا هذه الأرض وقد كانت ملوثة جداً
فأصلحها لنا وجعلها صالحة للحياة ومريحة لنستقر عليها ونشكر نعمة
الله، وأمرنا ألا نفسد فيها ونخرب هذا التوازن البيئي بعد أن
أصلحه الله لنا، وأمرنا كذلك أن نكثر من الدعاء ليجنبنا شر
الكوارث البيئية التي تنتظر الأرض فقال: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا
إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف:
56].
اللهم إنا نعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، إن ربي على
صراط مستقيم
ــــــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
المراجع:
1- Steve Koppes, Carbon dioxide may have acted as Earth’s
‘thermostat’ since earliest times, Chicago University , Feb.
15, 2007.
2- Modeling a Short History of CO2 Concentrations in the
Earths Atmosphere, Science Activities, v29 n3 p36-38 Fall
1992.
3- Global Warming: A Perspective from Earth History,
University of Leicester .
4- Earths atmosphere, From Wikipedia, the free encyclopedia.
5- The Carbon Dioxide Greenhouse Effect, www.aip.org, August
2007.
6- Evolution of the Atmosphere, University of Michigan .